23‏/06‏/2020

الشروق .. ليس لأحد


9/8/2016


(4)


كان الجو باردا جدا حين وصلت الى أوسلو، يبدو أن هذا المعطف ليس ملائما لأجواء بلادهم كما كنت أعتقد، رغم أنني اشتريته خصيصا لهذه الرحلة، لكن على ما يبدو فإنني بحاجة الى شراء معطف آخر من هذه البلاد، معطف يفهم لغة النرويج وحرارة أوسلو تحديدا، فيقيني قرصة البرد وقرصة أنظار المتطفّلين، إن وجدت. فلا أرغب بأن يتم التعرف عليّ من خلال المعطف الذي ألبسه!

سأذهب غدا الى جامعة أوسلو لأتعرف بأحد أشهر الأطباء هناك والذي يشرف على استخدام آخر ما توصل إليه العلم في معالجة مرض السرطان، ألا وهو العلاج المناعي، نعم إنها قفزة مهولة للبشرية وطريقة واعدة لعلاج الأورام وخاصة أورام الجهاز التنفسي كما الرئتين. فالعلاج المناعي رغم قدم الفكرة إلا أنه تطور بشكل كبير في الأعوام الخمسة الأخيرة، وقد تم الاعتراف بقدرات هذا العلاج الفعّال عندما  تم منح جائزة نوبل مناصفة لطبيب أمريكي وآخر ياباني تخصّصا تحديدا في العلاج المناعي.

كم أنا محظوظة بهذه البعثة وكم أنا سعيدة، وخاصة أنني وحدي ودون الدكتور البرقاوي، نعم هنا أستطيع أن أسأل كما أرغب لأنني حضرت فقط لأسأل، ولن يمنعني أحد ولن يسخر منّي أحد، فقد نشأت وتطورت النرويج فقط من خلال التساؤلات، بل وكل أوروبا الحديثة، برزت بعد أن بدأت بالتساؤل وبطرح الأسئلة البسيطة، مثل: لماذا لا يحاسب الله الملوك كما البشر! لماذا يتم إعدام المرأة التي تقرأ وتكتب وتجرّم على أنها مشعوذة وساحرة! لماذا نحن فقراء!

منذ دخلت الطائرة الأجواء الأوروربية، اختلف المشهد كثيرا، حتى الغيم أصبح أكثر بياضا وعشوائية، كالقطن المتناثر في السماء، لا يلزمه إلا النول لإعادة ترتيبه كما يحلو لي. كم أود لو أغرس أناملي فيه، أتحسسه، أنام فوقه ربما قليلا وأحلم.

التقطت عددا كبيرا من الصور للغيم الهائم على وجهه، ولكن الصور لم تظهر أبدا ما كنت أراه، فهنالك طفلة تقفز بحبل طويل، وهنالك تمثال لإمرأة تنظر فوق كتفها وتحمل وردة، وهنالك رجل يحمل قوسا مكسورا، وطائر خرافي بقدمي حصان ينظر نحوي بشرود! كثيرة هي الصور ولكنها أبدا لم تظهر في عين الكاميرا، خسارة، كم وددت لو أستطيع إمساك هذه اللحظة، لكن كما يقولون، ليس بعد العين كاميرا أخرى تجاريها.

حين اقتربنا من أجواء النرويج، بدأ اللون الأخضر المموّه بالأبيض يطغى على كل شيء. كل هذه المساحات الممتدة أسرتني وقلبت كياني. هذا الأخضر اليانع والأبيض الساطع انعكس على صفيحة الماء لوحة خيالية، أثارت في نفسي الغيرة الشديدة، فقد كنت أظن - كما كانت تقول والدتي "ليس هنالك أجمل من بلادنا، فهي أكثر خضارا من السبانخ"، نعم أكثر خضارا من السبانخ ولكنها أقل خضرة وبياضا من النرويج، هي جرداء جدا يا أمي هذه البلاد، حتى من الأبيض.


في غمرة انشغالي بالخيالات والهالات والألوان وذكريات المسلّمات، نسيت تناول ما قدّم لي على الطائرة، بل ونسيت كل ما حولي من ركّاب وطاقم وحتى الطائرة، فقد كنت أحلّق في عوالم الدهشة ومن مسافة قريبة من الملائكة ومن كلام الله، هكذا تصف أمي الرحلة الى السماء، ولا أجد كلمات أخرى حاليا لأنسبها الى نفسي لوصف هذه اللحظات التي لا توصف من التجلّي. فكلما اقتربت من حدود السماء، كلما اقتربت من نفسي وروحي المحلقة داخل جدران جسدي.


هناك 4 تعليقات:

م. عبد الغني سلامه يقول...

Abdel Ghani Salameh
واصلي هذا الإبداع المتدفق والمشوق.. وصف جميل ومميز بلغة أدبية راقية

منى بدار يقول...

جميل جدا جدا
انت رائعة 🥰🥰🥰
احب جدا ما تكتبين دائما

خلود بدار يقول...

حبيبي كل الشكر لدعمك الدائم أيها الغالي .. يخليلي اياك

خلود بدار يقول...

حبيبتي منمن يسعدلي اياك يا حبي وربي يسعدك

  الروح الغاضبة للتنين