02‏/03‏/2010

لا اقدر على ....



كل منا له قدراته الخاصة في كافة مناحي ومجالات الحياة، وايضا كل منا له طاقته الاستيعابية ومكنونه من القدرات . لكن ما يجب أن نفرز له مساحة من الحوار والنقاش هو عدم قدرة الإنسان على إظهار عواطفه وتعاطفه مع الغير، وخاصة مع الأهل والأحبة والأصدقاء. فالسؤال ها هنا يطرح نفسه: لماذا يفقد الإنسان قدرته على التعبير وقدرته على ابراز عواطفه إما على شكل كلمات جميلة شاعرية أو على شكل أفعال حقيقية رومانسية؟ وللتأكد من صحة هذا الطرح تجدو الاستعانة بالعديد من الأمثلة من واقع الحياة المريرة والجميلة على حد سواء.
يسقط طفل على وجهه ويصرخ باكيا عائدا الى بيته فتستقبله والدته بالصراخ والتهويل وتنظيف الملابس والتعليق بكلمات ربما لا يفهمها الطفل إلا كسخرية أو تحد لطفولته .. يستجدي عطفا وحنانا ويجد أمامه امرأة تعتصر من الألم في داخلها ولكنها تعبر عن حزنها بمزيد من التأنيب.
ترقد بجواره امرأته باكية شعورها الدفين بالهزيمة والانكسار، تمسح بيديها سنين القهر وعذابات الدهر، يتألم الرجل في داخله وربما يحترق وعندما يتحدث، يبلغها أنها أفضل حالا من غيرها وأن عليها أن تكف عن النحيب ...
يمرض ويجالس الفراش فتأتيه الزوجة بعد عناء صارخة في وجهه بانه رجل ولا يجب أن يمرض على هذه الشاكلة وأن عليه أن يكابر قليلا على نفسه ويتحرك، وهي في داخلها ترغب في البكاء والعويل ألما لألمه ....
ينتظر عودتها بفارغ الصبر، قد مر دهر أو دهران والألم يعتصر قلبه والاشتياق أحرق وسائده ودموع العين لا تجف، وعند اللقاء قبلات على الخد وعناق وبعد يوم هاتفها لا يرن فقط يرن صوت غسالتها و فرن الغاز....
والعديد من الأمثلة يمكن أيضا أن تساق ها هنا ولكن من منا يريد الأمثلة وهو يعاشرها ويعيشها يوميا في حياته!! فكم من حبيب لا يقدر على البوح وكم من أم لا تقدر على العناق وكم من أب لا يقدر على التفوه بكلمات لطيفة وكم وكم وكم ....
لماذا كل هذا الخوف ولماذا كل هذا الكتمان ! من أين تعلم الإنسان كل هذا الكبت وهذا الصبر !! أهي التربية والنشأة كما يدعي البعض أم هي العقد النفسية كما يدعي أطباء النفس ! أم هي الحياة بذاتها التي تعلم أناسها فن الصمت في أهم لحظات الحياة وأحلكها ضرورة للبوح !
لماذا تجتاحنا الرغبة بالعناق ونمسكها رهبة وخوفا ! ولماذا تجتاحنا رغبة الحديث عن الحب فنتلعثم ! رغم أن هذه المشاعر الإنسانية ربما هي أصدق ما نختبره في هذه الحياة وأجملها على الاطلاق ولكننا نقيدها ونهجرها ونكابر بأننا لم نشعر بها يوما قط.
لو توقف الإنسان دقيقة واحدة ليحاور نفسه ويسألها: لماذا تحرمينني متعة الحب والعطاء ساعة الحاجة ! لربما تداركنا خيبات الأمل والندم بعد فقدان من نحب وبعد رحيلهم عن هذا العالم المجنون.
لو استطاع الإنسان أن يحب ويعانق ذاته قبل أن يعانق غيره لربما استطاع مسح دموع أحبته بحنو وعطف ولربما استطاع أن يحول دون موت مشاعره وموت .... ذاته


ليست هناك تعليقات:

  الروح الغاضبة للتنين