01‏/03‏/2010

التغيير


الإنسان انعكاس صارخ لواقعه، مهما حاول الابتعاد والتأقلم مع كل ما هو جديد ومستحدث، التأقلم مع فهمه الآخر لذاته وللآخرين، يبق ما يشده الى واقعه وخاصة "واقع الطفولة". يبدأ الإنسان بمحاولة لفهم ذاته ومن ثم الآخرين ويبدأ بمحاولة تغيير واقعه سواء المادي أو المعنوي ليحيط ذاته بهالة من الأفكار والمفاهيم الذي يظن نفسه بأنه مقتنع بها، ثم يبدأ بممارسة هذه "الأوهام" متطلعا للمزيد من التأقلم والفهم ومن ثم الأهمية والتركيز. يبدأ رحلته مع هذا التغيير بمحاولات من الكتابة أو القراءة أو المشاهدة ومن اخضاع هذه المحاولات للتطبيق، وعند التطبيق تبدأ مشكلة الواقع الطفولي. فإذا كانت الأخلاق مثالا جيدا لهذا فالدين مثال صارخ وواضح جدا، فمع محاولات الإنسان الابتعاد عن الدين مهما كان شكله أو لونه أو كنهه بمحاولات جدية من القراءة المستفيضة والمعمقة، والكتابات الجريئة والمتشككة، يبدأ بالاعتقاد حازما بأنه بدأ طريقه الواضح والرصين في اليقين والفهم، ومن ثم يبدأ الواقع باختباراته اللامنطقية لهذا الإنسان ليفصح حقيقة عن فهمه المتجذر للدين، فنجد أنه يبرر كل شيء ويحلل وينقد ويفسر وعندما يصبح الاختبار شخصيا جدا، يفقد قهذا الإنسان نفسه قدرته على التحليل والتعليل ويبدأ العقل الباطني "المتدين" بالظهور من جديد، فيعود لمسالة العيب والحلال والحرام وغيرها من مفاهيم الدين التي تسللت إليه من واقعه الطفولي المتغلغل في عقله وصيرورته.
ومثال آخر ربما يكون أيضا ملموسا عن انعكاس شخصية الإنسان وتكوينه لواقعه الطفولي، ألا وهو مفهوم الشرف، ففي محاولة الإنسان لتغيير هذا المفهوم وباعتقاده الذاتي بأنه قد سبر غور هذه الكلمة، وبعد تجرع مرارة القراءات اللامتناهية والكتابات الداعية لتغيير هذا المفهوم وعدم جواز ربطه بمعتقدات الدين والرجولة وغيرها، يبدأ أيضا الواقع باختباراته من جديد لممارسات هذا الإنسان مع ما يدعيه وأيضا بمحض الصدفة البحتة لا القصد والتعمد، فإذا كان الاختبار شخصيا، عاد الإنسان الى ما كان عليه من مفاهيم مترسخة في عمق ذاكرته مكتسبا إياها اما من ذويه أو محيطه الطفولي عن شرف العائلة وشرف الرجل، فيفقد قدرته على التحليل والتفهم من جديد ليعاود الكرة والادعاء.
القدرة على التغيير ليست سهلة كما يعتقد البعض وليست جذرية كما يظن البعض الآخر، التغيير في مفاهيم تقلدناها في الصغر وربينا عليها صعبة للغاية بل وربما تكون مستحيلة، ولكن جدواها يكمن في التراكم وفي الانتشار وخاصة للأجيال القادمة. فمن لم يتغير الآن كما يشتهي، ربما يستطيع أن يغير الآخرين كما يحب ويرغب، والآخر ربما يكون طفله أو طفلته، المهم أن هذا التغيير سينتقل، لذا إن عجزنا عن تغيير أنفسنا هذا لا يعني أبدا أننا سنعجز عن تغيير المستقبل القادم.

ليست هناك تعليقات:

  الروح الغاضبة للتنين