01‏/03‏/2010

الخوف من المواجهة



نظن أننا دائما نقدر على المواجهة الحازمة والصادقة، وخاصة مع أنفسنا، ونعتقد جازمين أننا وجدنا الحل ، بل واستطعنا أن نوكل ضربة قاضية لوجهنا الآخر الذي يراه الغير أحيانا ليست بالقليلة. ربما يكون هذا بداية الكذبة الكبرى، بل وبداية تلبسنا لوجهنا الآخر بشكل دائم. ربما علينا أن لا نجلد أنفسنا بهذه الادعاءات وهذا المهاترات، لأن الصدق وخاصة مع الذات ضريبته كبيرة جدا وربما تكون فوق الاحتمال، فعندما يصدق الإنسان مع نفسه سيصدق مع غيره وبالتالي سيمارس ذاته الحقيقية ويكون "كما هو" حقيقة. وهذا بالضرورة يعني أننا سنفقد إعجاب العديدين ورغبة الآخرين في معرفتنا والتعرف إلينا، وأيضا سيكون الثمن باهظا من الغيرة والحسد والحقد والهجوم الشرس على صدقنا والذي سيكون في نظر الآخرين "ادعاء" لا حقيقة.
وليكن المثال الأول "قول الحق" وكممارسة فعلية سيجد الإنسان كم أن هذا الأمر صعب بل ومذموم للغاية، فقول الحق يعني ببساطة أن تواجه الآخر لتقول له رأيك بصراحة شديدة مع محاولة التلطيف قدر الإمكان "المجاملة"، وأيضا قول الحق يعني أن تبوح بالأسرار الخبيثة التي تعرفها ليأخذ الحق مجراه، يعني أن تقول لزوجتك أن عليها الاهتمام بذاتها كما تهتم بالحديث عن جاراتها، والقول لمديرك أن عليه الكف عن سرقة المال العام، والقول لزملائك بأن عليهم التوقف عن هز ذيولهم لأخذ منصب لا يستحقونه، والتحدث مع والدتك لتكف شرها عن زوجة أخيك، والتحدث مع والدك عن عاداته السيئة والتحدث مع أخيك عن علاقاته العابرة وضرب أطفاله والتحدث مع جارك ليكف عن التدخل في شؤونك وشؤون الجيران والتحدث مع امرأة لطالما اعتقدت أنها جميلة ومثقفة وتستحق الاحترام رغم رفض زوجتك لها، والتحدث مع زميل مثقف لطالما نال منه الآخرون، والتوقف عن قول "نعم" والبدء بقول "لا" .... الخ من ممارسات قول الحق.
وإن كان هذا مثالا واقعيا لننظر أيضا للخيال، فالحلم والتخيل أجمل لحظات الإنسان وأصدقها "عادة" وهي تعبر عن رغبات الإنسان الدفينة والتي لا يستطيع أحد سبر أغوارها إلا الشخص ذاته. فإن توجهنا بالسؤال لشخص ما ليحدثنا عن حلمه المتخيل، فسيصدقنا القول في ربع أو خمس هذا الحلم، لأنه سيكون من الصعب عليه أن يقول لأحد بأنه حلم بممارسة جنسية مجنونة أو قتل لشخص يكرهه أو سرقة مال غير معروف المصدر أو أنه حلم بمضاجعة زوجة صديقة أو أنه حلم بضرب زوجته أو مديره. وربما لكان حلمه خياليا أكثر فصدق أنه فارس على حصان أبيض . وإن كانت امرأة لربما حلمت بأنها أميرة في قلعة مهجورة مع وحش تنتظر فارسها المخلص، أو أنها مارست الغرام مع ابن الجيران ، أو أنها حلمت بحياة ماجنة وبالشراب أو السرقة أو غيرها ... الخ و بالطبع سيكون قول الآحلام أصعب على النساء من الرجال وليس في مجتمعاتنا خاصة بل في كافة المجتمعات على وجه البسيطة. رغم أحقيتنا في الحلم، إلا أننا نخاف مواجهة هذه الأحلام ونخاف مواجهة أي إنسان يسألنا عن هذه الأحلام فندعي بأننا لا نحلم أو إننا شرفاء في أحلامنا وأنبياء.
نخاف من مواجهة أنفسنا ولذلك لا نواجه الآخرين بوجهنا الحقيقي "الإنساني" و " اللاانساني"، لأننا نملك القدرة على لبس وجهنا الآخر عند سؤالنا عن أنفسنا وعن شخصياتنا وعن أحلامنا. رغم أننا نرفض وجوه الآخرين ونكذبهم فيما يدعون، إلا أننا نصدق أحيانا وجهنا الآخر على أنه وجهنا الأصلي الأصيل.

ليست هناك تعليقات:

  الروح الغاضبة للتنين